الحلاني بطلاًً مطلقاً لـ«أوبرا الضيعة» وعبد الحليم كركلا يسرف في الإبهار
عرض أخير الليلة في «بعلبك» لاستعراض كركلا الجديد. هنا،قراءة أوليّة للتجربة التي تقوم على التوفيقيّة ومهادنة ذوق الجمهور
بيسان طي
في قلب القلعة الرومانية، الشاهدة على ذاكرة بعلبك العريقة، هناك بين باخوس والأعمدة الستة، تحوّلت المساحة إلى قرية أرادها عبد الحليم كركلا صورةً عن لبنان الذي تنتهي خلافاته بالتعاضد والمحبة. كان يُفترض أن تُقدم «أوبرا الضيعة» لكركلا (كلمات طلال حيدر، إخراج إيفان كركلا، كوريغرافيا أليسار كركلا) في مدينة الشمس عام 2006. إلا أنّ العدوان الإسرائيلي حال دون ذلك. سكّان «الضيعة» فنانون ونجوم، والحكاية تبدأ من لعبة، تجر خلافاً بين أهل حي «راس الجرد» وأهل «التل العالي»، ويأتي الشيخ فنيانوس (جوزف عازار) أخيراً ليحلّها (هل هي إحالة إلى رئيس الجمهوريّة كما يتصوّره كركلا؟).
يحاول كركلا هنا أن يتجاوز الرقص، ليقدم عملاً قائماً على الاستعراض واللوحات الغنائية والتمثيلية، يحشد لها فنانين بارزين من عالم الغناء والمسرح: البطولة لعاصي الحلاني، هدى حداد، جوزف عازار، علي الزين، غابريال يمين، رفعت طربيه (ضيف الشرف: وديع الصافي). لكنّ الرقص يهيمن على العمل. الرقص نقصده هنا بمعنى الخطوات التي تنتمي إلى مدرسة صنعها كركلا. في «أوبرا الضيعة»، يشعل أفراد الفرقة الخشبة بألف لون ولون، يتنقلون بخفة بين الدبكة والخطوات المطعّمة بتقنيات غربية. ينزل «عميد الفولكلور» عمر كركلا «إلى الساحة»، ليؤدّي دبكة «أصيلة» وصعبة، يسانده الحلاني، مؤكداً على تميّز في هذا المجال.
استعراض ترفيهي يجمع بين التمثيل والرقص والشعر والغناء
باختصار، الرقص يصنع جمال العمل، ويزيد الإبهار الذي يمثّل عنصراً مهماً من عناصر النجاح الجماهيري للعرض. موسيقى الإيراني محمد رضا عليغلي هي أيضاً من مميزات العمل. أشعار طلال حيدر ـــــ إضافة إلى جماليتها ـــــ بدت من نسيج القصة نفسها، تتآلف مع الطابع القروي للعمل. لكن هناك حالة مستعادة شاهدناها قبلاً عند كركلا... تكرار للملابس والرقصات والإبهار والتضخيم الفولكلوري الذي يقترب من المتحفيّة. مع ذلك، بدا الجمهور منبهراً: الشعب اللبناني ما زال يعيش في عصر آخر. والفولكلور روح الثقافة ونسغها في عقله الباطني!
يفتتح العرض بأضواء مسلّطة على أعمدة باخوس، تتوالى الصور: تماثيل فينيقيين، صور وأسماء، جوبيتير، فينوس، هنيبعل، فخر الدين، كركلا... صلاح الدين. وبالطريقة نفسها، تختتم «الأوبرا» مع صورة واحدة تثبت على الأعمدة: إنه العلم اللبناني. بدلاً من طرح الأسئلة الموجعة، ومواجهة الواقع بفجاجته وتعقيده كما نتوقّع اليوم من أي فنّان معاصر، يطالعنا كركلا بخطاب توفيقي، معتبراً الخلافات (مهما عظمت) فعلاً عابراً. «أوبرا الضيعة» تعتمد توليفات تُعجب الجمهور، بدءاً من الشعارات التي كثر ترديدها مثل «لبنان لا يحترق» أو «الإخوة لا يتقاتلون»... وصولاً إلى القصة «التقليدية»: حبّ بين شاب وفتاة يواجه حواجز ناتجة من الطمع. كركلا الذي أخرج الرقص من تعابيره التقليدية ليمثّل حالة جديدة على الساحة العربية، يراوح اليوم مكانه في استعادة إنجازاته وتكرارها حتى التحنيط الترفيهي. كذلك فإنّ ابنه إيفان، مخرج العمل، لم يعرف كيف يذهب بالقصة بعيداً عن إطارها «الفطري». صنّاع العمل يتمتعون بنقطة قوّة أساسيّة: بدوا مالكين لمفاتيح الذوق السائد، يعرفون أن المشاهد التقليدي يأسره الكلام السياسي العام، وتسحره القصة التقليدية نفسها... أما في منظار الفنّ الحيّ والمتجدد، فلا بد من تقويم مختلف للتجربة: الكليشيهات الكثيرة ـــــ وإن أعجبت الجمهور ـــــ أدت إلى إضعاف السيناريو، بسبب بديهيتها وشعاراتيتها المفرطة. وإذا عزف صنّاع العمل عن التعمّق في المسألة التي يطرحونها، فالتبرير يرد على لسان هَبَلون. رفعت طربيه لافت في دور المجنون الذي يروي «الجواهر» ويسترشد بـ«الرفيق ش*********بير» قائلاً إنّ الحياة حكاية نرويها خلال ساعة «ومنتسلى».
أخيراً، ثمة رابح «أول» في العمل: إنه عاصي الحلاني الذي أثبت بحضوره المميّز، أنّه قادر على تقديم المزيد في مجال التمثيل والاستعراض الغنائي.
http://al-akhbar.com/ar/node/147796
عرض أخير الليلة في «بعلبك» لاستعراض كركلا الجديد. هنا،قراءة أوليّة للتجربة التي تقوم على التوفيقيّة ومهادنة ذوق الجمهور
بيسان طي
في قلب القلعة الرومانية، الشاهدة على ذاكرة بعلبك العريقة، هناك بين باخوس والأعمدة الستة، تحوّلت المساحة إلى قرية أرادها عبد الحليم كركلا صورةً عن لبنان الذي تنتهي خلافاته بالتعاضد والمحبة. كان يُفترض أن تُقدم «أوبرا الضيعة» لكركلا (كلمات طلال حيدر، إخراج إيفان كركلا، كوريغرافيا أليسار كركلا) في مدينة الشمس عام 2006. إلا أنّ العدوان الإسرائيلي حال دون ذلك. سكّان «الضيعة» فنانون ونجوم، والحكاية تبدأ من لعبة، تجر خلافاً بين أهل حي «راس الجرد» وأهل «التل العالي»، ويأتي الشيخ فنيانوس (جوزف عازار) أخيراً ليحلّها (هل هي إحالة إلى رئيس الجمهوريّة كما يتصوّره كركلا؟).
يحاول كركلا هنا أن يتجاوز الرقص، ليقدم عملاً قائماً على الاستعراض واللوحات الغنائية والتمثيلية، يحشد لها فنانين بارزين من عالم الغناء والمسرح: البطولة لعاصي الحلاني، هدى حداد، جوزف عازار، علي الزين، غابريال يمين، رفعت طربيه (ضيف الشرف: وديع الصافي). لكنّ الرقص يهيمن على العمل. الرقص نقصده هنا بمعنى الخطوات التي تنتمي إلى مدرسة صنعها كركلا. في «أوبرا الضيعة»، يشعل أفراد الفرقة الخشبة بألف لون ولون، يتنقلون بخفة بين الدبكة والخطوات المطعّمة بتقنيات غربية. ينزل «عميد الفولكلور» عمر كركلا «إلى الساحة»، ليؤدّي دبكة «أصيلة» وصعبة، يسانده الحلاني، مؤكداً على تميّز في هذا المجال.
استعراض ترفيهي يجمع بين التمثيل والرقص والشعر والغناء
باختصار، الرقص يصنع جمال العمل، ويزيد الإبهار الذي يمثّل عنصراً مهماً من عناصر النجاح الجماهيري للعرض. موسيقى الإيراني محمد رضا عليغلي هي أيضاً من مميزات العمل. أشعار طلال حيدر ـــــ إضافة إلى جماليتها ـــــ بدت من نسيج القصة نفسها، تتآلف مع الطابع القروي للعمل. لكن هناك حالة مستعادة شاهدناها قبلاً عند كركلا... تكرار للملابس والرقصات والإبهار والتضخيم الفولكلوري الذي يقترب من المتحفيّة. مع ذلك، بدا الجمهور منبهراً: الشعب اللبناني ما زال يعيش في عصر آخر. والفولكلور روح الثقافة ونسغها في عقله الباطني!
يفتتح العرض بأضواء مسلّطة على أعمدة باخوس، تتوالى الصور: تماثيل فينيقيين، صور وأسماء، جوبيتير، فينوس، هنيبعل، فخر الدين، كركلا... صلاح الدين. وبالطريقة نفسها، تختتم «الأوبرا» مع صورة واحدة تثبت على الأعمدة: إنه العلم اللبناني. بدلاً من طرح الأسئلة الموجعة، ومواجهة الواقع بفجاجته وتعقيده كما نتوقّع اليوم من أي فنّان معاصر، يطالعنا كركلا بخطاب توفيقي، معتبراً الخلافات (مهما عظمت) فعلاً عابراً. «أوبرا الضيعة» تعتمد توليفات تُعجب الجمهور، بدءاً من الشعارات التي كثر ترديدها مثل «لبنان لا يحترق» أو «الإخوة لا يتقاتلون»... وصولاً إلى القصة «التقليدية»: حبّ بين شاب وفتاة يواجه حواجز ناتجة من الطمع. كركلا الذي أخرج الرقص من تعابيره التقليدية ليمثّل حالة جديدة على الساحة العربية، يراوح اليوم مكانه في استعادة إنجازاته وتكرارها حتى التحنيط الترفيهي. كذلك فإنّ ابنه إيفان، مخرج العمل، لم يعرف كيف يذهب بالقصة بعيداً عن إطارها «الفطري». صنّاع العمل يتمتعون بنقطة قوّة أساسيّة: بدوا مالكين لمفاتيح الذوق السائد، يعرفون أن المشاهد التقليدي يأسره الكلام السياسي العام، وتسحره القصة التقليدية نفسها... أما في منظار الفنّ الحيّ والمتجدد، فلا بد من تقويم مختلف للتجربة: الكليشيهات الكثيرة ـــــ وإن أعجبت الجمهور ـــــ أدت إلى إضعاف السيناريو، بسبب بديهيتها وشعاراتيتها المفرطة. وإذا عزف صنّاع العمل عن التعمّق في المسألة التي يطرحونها، فالتبرير يرد على لسان هَبَلون. رفعت طربيه لافت في دور المجنون الذي يروي «الجواهر» ويسترشد بـ«الرفيق ش*********بير» قائلاً إنّ الحياة حكاية نرويها خلال ساعة «ومنتسلى».
أخيراً، ثمة رابح «أول» في العمل: إنه عاصي الحلاني الذي أثبت بحضوره المميّز، أنّه قادر على تقديم المزيد في مجال التمثيل والاستعراض الغنائي.
http://al-akhbar.com/ar/node/147796